[color=red][size=18]فأعظم أنواع المحبة محبة الله وهي المحبة الباقية الدائمة ليوم الدين فلو كان حب الله ورسوله يملأ قلبك لملأت الدنيا بالحديث عنه وذكره والتفكير في مخلوقاته وعَدِّ نعمه التي لا تحصى.
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان: "فأصحاب العشق الشيطاني لهم من تولي الشيطان والإشراك به بقدر ذلك، لما فيهم من الإشراك بالله ولما فاتهم من الإخلاص له ففيهم نصيب من اتخاذ الأنداد ولهذا ترى كثيراً منهم عبداً لذلك المعشوق متيماً به يصرخ في حضوره ومغيبه: أنه عبده فهو أعظم ذكراً له من ربه، حبه في قلبه أعظم من حب الله فيه وكفى به شاهداً بذلك على نفسه " بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره " فلو خُيّر بين رضاه ورضى الله لاختار رضا معشوقه على رضا ربه ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه يُسخط ربه بمرضاة معشوقه ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه فإن فضل من وقته فضلة وكان عنده قليل من الإيمان صرف تلك الفضلة في طاعة ربه وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه صرف زمانه كله فيها وأهمل أمر الله تعالى يجود لمعشوقه بكل غالٍ ونفيس ويجعل لربه من ماله ـ إن جعل له ـ كل رذيلة وخسيسة...إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجي معشوقه, ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق, ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه وتكلُفه لفعلها, فإذا جاءت خِدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحاً بها ناصحاً له فيها, خفيفةً على قلبه لا يستثقلُها ولايستطيلُها... وأصل ذلك كله من خلو القلب من محبة الله تعالى والإخلاص له والتشريك بينه وبين غيره في المحبة, ومن محبة ما يحب لغير الله, فيقوم ذلك بالقلب ويعمل بموجبه بالجوارح, وهذا هو حقيقة اتباع الهوى".
ولا يأمن العاشق أن يجره ذلك إلى الشرك كما جرَّ ذلك الشاعر الخاسر حين قال:
رضاك أشهى إلى فؤادي *** من رحمةِ الخالقِ الجليل
نعوذ بالله من الخسران المبين, وسبب ذلك خلو القلب مما خلق له من عبادة الله تعالى التي تجمع محبته وتعظيمه والخضوع والذل له والوقوف مع أمره ونهيه ومحابه ومساخطه, فإذا كان في القلب وجدان حلاوة الإيمان وذوق طعمه أغناه ذلك عن محبة الأنداد وتأليهها، وإذا خلا القلب من ذلك احتاج إلى أن يستبدل به ما يهواه ويتخذه إلهه.
2ـ أن ينسلخ القلب من استقباحها: فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه حتى أنه يفتخر بذلك ويحدث به من لم يكن يعلم أنه عمله ويحدث به إخوانه وزملائه، وهذا الضِربُ من الناس تُسد عليهم طرق التوبة في الغالب، كما قال صلى الله عليه وسلم :" كل أمتي معافى إلا المجاهرون " .
3 ـ أنها تورث الذل ولابد للمحبوب: والتنازل له وتفسد عليه عقله وتطفئ نوره وهيبته حتى يغدو ذليلاً حقيراً أمام ربه أولاً ومن ثم أمام الناس.
4 ـ ذهاب الحياء: الذي هو مادة الحياة للقلب وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب كل خيرٍ بأجمعه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت " ، فإذا لم يكن هناك حياء يبعده عن القبائح فإنه يفعلها .والمقصود أن هذا الأمر يضعف الحياء حتى أنه لا يتأثر بعلم الناس بأفعاله.. بل أحياناً كثيرةً يُخبر إخوانه وزملائه عن حاله ومن لم يستح من الله لم يستح من الناس.
5 ـ تُضعف في القلب تعظيم الرب وتُضعف وقاره في القلب شاء أم أبى : فلا يرى إلا بعين محبوبه ولا يفكر إلا به حتى أفسدت عليه عباداته وعظمة ربه في قلبه فلا يستشعرها في صلاته ولا في سائر العبادات فلا يبقى في قلبه مهابة لربه ولا مكان لمحبته ويترتب على ذلك أن يرفع الله مهابته في قلوب الخلق فيهون في أنظارهم ويستخفون به وبتصرفاته.. فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس.. ومع ذلك يستمر في أحلامه وعالمه حتى نسي نفسه وباعها بالهوان وبأبخس الأثمان فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير واستبدل محبة الله بمحبة خلقه وأصبح قلبه أسيراً لغيره قال تعالى: " ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم " أغفل حقوق ربه واستبدل محبته بمحبة غيره فأهمله ربه وتركه وتخلى عنه وأنساه نفسه وحقوق نفسه عليه فأضاع أسباب سعادته وصلاحه وما يكملها.. فأي عقوبة هذه ؟.
أخي: هل قدر الله حق قدره من شارك بينه وبين أحد مخلوقاته في المحبة أو الإجلال والتعظيم والذل والطاعة والخضوع والخوف والرجاء ؟ .. إن هذا لجرأة وتوثب على محض حقه سبحانه واستهانة به والعياذ بالله.
6 ـ تُضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة وتعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة هذا إذا لم ترده عن سيره هذا.. فبعد استقامته وانتظامه في حلقات الذكر ومع أهل الخير والصلاح عرف الشيطان طريقه إليه فوجد العاطفة أسهل طرقه إلى قلبه فأشغله بغير الله حتى بدأ يحاكي محبوبه في لباسه وحكاياته وأخلاقه وتصرفاته شيئاً فشيئاً حتى عزف عن حلقات الذكر وابتعد عن الرفقة الصالحة الناصحة.. والمعصية تقول: أختي أختي فهي إما أن تصده عن الطريق السليم والصراط المستقيم إن كان مبتدئ فيه أو بالسكوت عن الحق إذا رأى به شيئاً من المحرمات خوفاً من الهجران والبعد والفراق.. فيعود نفسه على السكوت عن الحق حتى يرضيه فيبتعد عن أهل الخير ويقضي جُلَّ وقته معه ويترك حلقات الذكر وإن ابتعد عنه فلسانه يلهج بذكره لا بذكر ربه.
7 ـ جعل القلب أصم لا يسمع الحق، أبكم لا ينطق بالحق، أعمى لا يرى الحق: يرى الباطل حقاً والحق باطلاً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً فإن نصحه أحد الأخوة غضب وأنكر وكابر وتحجَّج.. يغالط نفسه ويصم أذنه عن الحقيقة فلا ريب أنه إن سمع سمع بمحبوبه وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به وإن مشى مشى به.. فهو في قلبه ومعه ولا عجب أن قال أحدهم:
خيالك في عيني وذكراك في فمي *** ومثواك في قلبي فأين تغيب ؟!
فما رأيك أخي به وبما قال الله عمن يصبح وهمه رضا الله تعالى عنه:" كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها " ؟ .
8 ـ هدر شخصية الإنسان وتعطيل طاقاته في أزهى مراحل عمره: فتمضي أيامه وهو في عتاب وعواطف جيَّاشة وعذاب مستمر وتفكير دائم لا فائدة فيه.
أخي: تعامل مع الأوضاع ببساطة ووسطية ولا تتشدد فالاعتدال طيب في المحبة والإفراط فيه هدر لشخصيتك وتعطيل لطاقاتك والاعتدال في المحبة لا يعني إلغاء العواطف.. نعم نحن نعترف بالحب لكن بدون مبالغة أو إفراط.. ولتعلم أنه ليس هناك أشد حباً من
الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك عاشوا بدونه :
وما فقد الباقون مثل محمد *** ولا مثله اليوم لحيٍّ يفقد
9 ـ ترك الأفضل والذهاب إلى المفضول: أو ترك الأهم والذهاب إلى المهم وهو كما سبق ذكره كترك الوجبات من أجل المحبوب.
10 ـ الكبر والعجب بالنفس الذي يحصل لمن يُعجب به صديقه أو أخوه, قال تعالى: " ولا تصعر خدك للناس ولا تمش بالأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور "، يمشي مختال يحكي لأصدقائه عن كلمات الإعجاب التي سمعها هذا اليوم ومغامراته مع فلان من الناس وما حصل له متباهياً بذلك, ومرجع ذلك إلى أسباب منها: جماله أو جاذبيته أو شخصيته أو حركاته وغير ذلك وغالب هذه الفئة أنه يتكبر على الحق فلا يقبل نصيحة ولا توجيه.. محتقر للآخرين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الكبر بطر الحق ـ رده ـ وغمط الناس ـ احتقارهم ـ".
11 ـ تُصرِف القلب عن صحة البدن واستقامته وتحصيله من العلم إلى مرضه وانحرافه : فمعشوقه هو شغله الشاغل لايفكر إلا به, ولا يعمل إلا له, نسي الله فأنساه مصلحة نفسه, قال صلى الله عليه وسلم :"من تعلق شيئا وُكِلَ إليه", فلا يزال يفكر به لا يهنأ بشراب ولا يلذ له طعام .. حتى بدا هزيلاً, وأي عذابٍ أشد من الخوف والهم والحزن وضيق الصدر والأمراض النفسية التي تؤثر على صحته وسلامته وفوق ذلك كله إعراضه عن ذكر الله وتعلقه بغيره. بكل واد منه شُعبة. ومحبوبه يسومه سوء العذاب. فكل من أحب شيئاً غير الله عُذب به ثلاث مرات:
أولاً / في هذه الدار: يُعذب به قبل حصوله فهو في محاولات وتفكير حتى يحقق مطلبه, وهذه من العقوبة الدنيوية قبل الأخروية. فمن أحب شيئا غير الله عذب به.
ثانياً / إذا حقق مطلبه وغايته عُذب به حال قربه منه بالخوف من بُعده وفراقه والتنغيص والتفكير بأنواع الخلافات.. فإذا سُلبت منه اشتد عذابه.
ثالثاً / في البرزخ : فعذابٌ يقارنه ألمُ فراقٍ لا يُرجى عودته وعذاب فوات ما فات من النعيم الذي لم يحصل له لانشغاله بغير الله وعذاب الحجاب من الله وعذاب الحسرة والعداوة: " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ".وفي الآخرة يتبرأ بعضهم من بعض, قال الله تعالى:"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين ءامنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب.إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب".
12 ـ تباعد عنه أصدقاء الصلاح والخير وأنصح الخلق له وأنفعهم ومن في قربهم سعادةٌ له والسبب: إشباع شهوة عابرة لم تكن لتتفاقم لولا أنه أرخى لها العنان حتى كبرت وأصبحت حجاباً عن ربه وعن الاستقامة وترك صحبة الخير والصلاح الذين يحاربون معه عدوه وعدوهم ويعينونه عليه ويحثونه على الخير ويدلونه.. سعادته في قربهم ومحبتهم وموالاتهم وتركه لهم وإعراضه عنهم فيه هلاكه وشقاؤه وفساده.. انصرف عنهم إلى ذلك المحبوب وفي الآخرة يقول: " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين "، كنت في الدنيا أضللتني عن الهدى وأبعدتني عن الرفقة الصالحة أبعدتني عن رياض الجنة ـ مجالس الذكر ـ كانت نفسي تتوق إلى الخير مازلت أبتعد عن ربي مذ عرفتك حتى غفلت عنه حتى عند أدائي لصلاتي.. فبئس القرين أنت لي اليوم: " ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون "، فمد له هدية من نار مطرزة بثوب الخزي والعار على طبق من المحبة الكاذبة والمودة المصطنعة..
قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها *** فأنت قــرين لي بكل مكان
فإن كنت في دار الشـــقاء فإنني *** وأنت جميعاً في شقاء وهوان
13 ـ سببٌ لسوء الخاتمة: فمحبة غير الله من أسباب سوء الخاتمة والعياذ بالله فمن تعلق قلبه بشيء ذكره أثناء الاحتضار فمن تعلق قلبه
بالتجارة والأموال ذكرها عند موته ومن تعلق بالأغاني ذكرها عند موته ومن تعلق قلبه بالقرآن لهج لسانه بذكره عند الموت وهكذا فمن تعلق قلبه بأحد خلق الله ذكره عند موته وكان سبباً في سوء خاتمته، وشقائه وفي ذلك قصص كثيرة.
14ـ فسادُ الحواس: ذلك مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد, وإذا فسدت فسد سائر الجسد,ألا وهي القلب" فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان ,فيرى القبيح حسناً.
[color=blue]((((((((((( ملـ( الشات )ـك ))))))))))))